Найти в Дзене
Hazem Rowiha

التعذيب بالطعام

طرق سلطة السجون الأمريكية في تعذيب المسجون رهيبة، وبعض الطرق على قدر نعومتها كملمس الأفعى ولكن سمها زعاف قاتل لا ينجو من موته إلا مسجون بريء أو قد لا ينجو إذا قدر الله ذلك.

في السجون الأمريكية أو على وجه الخصوص في سجن إليزابيث المركزي وسجن إيسكس كونتي كوريكشن فاسيلتي تقوم إدارة السجن بصرف ثلاث وجبات طعام يوميا وهي كمية من الطعام قليلة تكاد تبقي المسجون على قيد الحياة، فإذا أراد المزيد من الطعام فعليه أن يشتريه من ماله الخاص المحجوز لدى إدارة السجن، أذا كان يملك مالا فسوف يشتري به كل ما يحتاج من الكومساري وهم مندوب بيع الطعام واللوازم الأخرى مثل قصافة الأظافر وفرشة الشعر وكوب للمشروبات.

عندما يحين وقت وجبة الغذاء الساعة الثانية عشر ظهرا يصطف مساجين العنبر في طابور لكي يحصل على صينية الطعام التي لا تغني من جوع وإذا كان مع المسجون كوب قد يستطيع أن يملئه بعصير البرتقال من حاوية شراب تأتي مع وجبات الغذاء ، أنا لم يكن معي كوبا لأملئه بالعصير وسألت وعرفت أنني يجب أن أشتري كوبا من الكومساري مندوبين بيع الطعام واللوازم الأخرى، وبعد عدة أيام من كتابة طلب شراء بعض اللوازم ومنها الكوب إستلمت كيس به الأغراض وفتحته وأمسكت بالكوب الكبير ، إنه كوب كبير سعة نصف لتر ويختلف عن أكواب مساجين العنبر الآخرين وكان العنبر به ٤٤ مسجون، أكواب المساجين الآخرين بلاستيك سعة ربع لتر ولونها بيج أما كوبي الذي اشتريته الآن من الكومساري بلاستيك سعة نصف لتر ولونه أبيض.

كان يكفيني ملء كوب واحد نصف لتر لكي أملأ بطني بالعصير مع تناول طعام الغذاء القليل، في البداية كانوا المساجين الآخرين ينظرون إلى كوبي النصف لتر في دهشة ويسألني بعض أن كيف حصلت عليه فأجيب أنني اشتريت هذا الكوب من الكومساري.

ولما قمت بقراءة طلبات الشراء المطبوع الذي يرسله الكومساري إلى عنبر المساجين وجدت أن صنف الكوب هو نوع واحد فقط وهو كوب سعة ربع لتر، فلماذا باعوا لي أنا خصوصا مثل هذا الكوب الكبير؟ سألت نفسي، ولكني تجاهلت إجابة السؤال في غمرة الغرور والسعادة الكاذبة لمسجون في سجن أمريكي وهو تدريجيا بدأ يشعر بالتمييز على باقي المساجين الآخرين مع كوبه الأبيض الكبير الموضوع على مائدة الطعام المملوء بالعصير ومرور الوقت إعتدت ذلك الشعور بالتميز، ماذا حدث في شخصيتي؟ لقد قامت سلطة السجن الأمريكي بتضخيم الأنا في ذاتي وشخصي وتعظيم حب التميز على الآخرين في سلوكي اليومي وفي أهم الأوقات وأمتعها خلال تناول الطعام.

هذه طريقة النازيين في تعذيب ضحاياهم وكذلك إتخاذ المستضعفين مثل حيوانات التجارب وإجراء دراسات وأبحاث علوم التعذيب والإذلال وتحطيم النفس الإنسانية لأناس لم يرتكبوا ذنبا ولم يدانوا بأي جريمة، هكذا هي النازية الأمريكية التي أستكشفها من خلال تجاربي المؤلمة وتوثيقها بكتابات صادقة أقول الحقيقة وأنقل الواقع وأحلل الأحداث لدرء مفاسد هذه القوة الشريرة.

مرت عدة أشهر وأنا أستمتع في السجن الأمريكي بكوبي الكبير وقد تضخمت الأنا إلى حد ما وقد كانت سلطة السجن قد أعدت أحداث أخرى لتذكية لهيب الأنانية الذي أشعلوه في قلبي منذ ملكت الكوب الكبير.

بعد أن أحتجزتني السلطة الأمريكية في مطار JFK كينيدي في نيويورك وأقتادوني إلى أليزابيث ديتينشن سنتر Elizabeth Detention Center، سجنوني في عنبر لمدة إسبوعين ثم سجنوني في عنبر مساجين آخر قضيت فيه لباقي فترة المائة وأربعون يوما تقريبا، في العنبر الثاني كان سريري في المجموعة الأرضية وبعد أسبوع نقلوني إلى سرير في المجموعة العلوية وهم عدد عشرة أسرة على منصة علوية نصعد لها بدرجات السلم وكان سريري رقم ٤٣ وهو قبل الآخير في داخل ممر المنصة التي كانت تطل على العنبر من فوق ، جلست على سريري رقم ٤٣ ووجدت قد كتب على جدار الحائط خلفه - المسيح Almesiah - وسألت أصحاب السجن المرافقين في سرائر المنصة العلوية ما هذا؟ قالوا لي: أن هذا السرير كان لأوباما وهو مسجون كان هنا حتى تم نقله إلى جهة ما بعد أن حاول الإنتحار وهو من كتب ذلك، فكرت في كلامهم وكنت في حيرة من ذلك هل أنا الآن أشعر بالبركة من كتابة إسم المسيح Almesiah فوق رأسي وأنا نائم على السرير أم أشعر بالقلق من حكاية ذلك الشخص المدعو أوباما على إسم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وكان وقتها في سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية وقد حاول ذلك السجين الإنتحار وتم نقله إلى جهة ما، شعور متناقض بين الإحساس بالبركة وبين الإحساس بالقلق الغامض، ولكن المدعو أوباما له حكاية سوف أذكرها فيما بعد.

كان المشهد وانا مستلقي على السرير في المنصة العلوية يكسبني شعور بالتفوق والعلو فأنا أرى جميع المساجين في الأسفل تقريبا وأرى ضابط العنبر وباب الدخول والنوافذ في الجدار الفاصل بين العنبر والممر الخارجي وأشهد ضباط السجن ذكور ونساء وهم في الخارج وكذلك إحضار الطعام أو البريد وأي شيء حتى إني شهدت مرة من المرات أحضان مختلسة بين ضابط وضابطة من خلف النافذة، وكنت أرى الكاميرا المثبتة في الحائط الأمامي التي كانت ترصد كل شيء في العنبر حتى الحمامات.

المشهد من فوق سريري في المجموعة العلوية على المنصة بالعنبر كان مثيرا ومسليا ولكنه كان يملأ قلبي بالتميز والفوقية والغرور متزامنا مع كوبي الكبير الذي أحبه و أصبح جزء من شخصيتي التي مرضت وأعياها الكبر بتدبير ومكر السوء من سلطة السجون النازية الأمريكية، كان يؤرقني وجود فتحة مكيف الهواء البارد في سقف العنبر بالقرب مني حين أستلقي على السرير وكان يزعجني ويسقمني ويمرضني حين يغلقوا مكيف الهواء البارد فيتغير الجو إلى حار يجعلني أعرق بغزارة ثم يفتحوا المكيف البارد مرة أخرى فأعيا وأمرض وترتفع درجة حرارة جسمي وأصاب بصداع شديد، وذلك تفسير غير منطقي للأفعال النازية الإجرامية أن أتصور أن سبب مرضي المفاجيء هو تكييف الهواء البارد.

حتى جاءت ليلة غليظة من إحدى الليالي وبعد منتصف الليل حوالى الساعة الثانية صباحا وقد أضائت لمبات العنبر من بعد الظلمة وسمعت صياح عالي من الأسفل وقد كان باب العنبر مفتوح ودخل مجموعة من ضباط السجن وانتشروا وهم يصيحون في جميع المساجين عليهم القيام والوقوف أمام أسرتهم إنهم تفتيش مفاجيء للمساجين، وكانت تلك الليلة هي أحد أشد الليالي التي مرضت فيها وأشعر بالتعب والصداع الشديد.

جائتني ضابطة أمرأة قصيرة وسمينة ممتلئة الجسم من أصل دول أمريكا اللاتينية وكانت ملامحها غاضبة ونظراتها حادة وفتشت متاعي واغراضي لتخرج منها الكوب الكبير وسألتني من أيت جئت بهذا الكوب؟ قلت له الكومساري باعه لي، قالت هذا الكوب الكبير ممنوع وتمت مصادرته، كانت صدمة لي لقد طعنتني في لذتي وتميزي وتفوقي، إنها تطعنني في ذاتي الأنا الشخصية المتضخمة المغرورة، قلت لها إنني إشتريته من الكومساري، قالت إنه ممنوع، قلت لها والصداع سوف يفجر رأسي أنا أشتريته بمالي من الكومساري لا تأخذيه، قالت في تحدي لا إنه ممنوع وكانت واقفة أمامي تحاول إستفزازي أكثر لكي أقوم بفعل ما قامت سلطة السجن بمكرهم وكيدهم منذ عدة أشهر؟ كانوا يريدونني أن أخذ الكوب من الضابطة عنوة أخطفه من يدها أو أسبها وأشتمها أو شيء آخر كانوا يخططون له بطريقتهم النازية الإجرامية، أو كل ذلك جميعا! ولكني لم أفعل سوى أنني صحت بصوت عال إنه ملكي هذا الكوب ملكي إشتربته لمالي، ولن تصغ إلي بعد ذلك وأخذته وانصرفت.

Honey Moon Period مرحلة شهر العسل ،

مرحلة شهر العسل هي إسم هذا النوع من التعذيب النازي الذي يقوم فيه المجرمون بمد سبل الشعور بالتميز للضحية وأن يعطوه أشياء مادية مثل كوب العصير الكبير والسرير الفوقي على المنصة العلوية وأشياء معنوية مثل مده بمشاعر الأمان كالتبرك بإسم المسيح المكتوب فوق رأسه حين يستلقي على السرير، فتتطمئن الضحية وتشعر بالأمان والغرور وتضخم الأنا يجعل من الضحية مهيئة تماما للعذاب التالي ثم يقوم المجرمون الجلادون بجلد الضحية بسياطهم وإيقاف أبلغ الضرر في نفس الضحية لدفع الضحية على التهور المأمول كما خطط له القوات النازية وإحباط الضحية وضرب الإتزان النفسي والعصبي على أقل تقدير.

ولكن بفضل الله ورحمته قد نجا من نجا

هكذا تدار السجون في الولايات المتحدة الأمريكية بيد عصبة من النازيين الجدد وهم لايستخدمون أسلوب التجويع من الطعام وحسب ولكنهم يبتكرون طرق فاشية إجرامية تهدف لهدم وإذلال الروح الإنسانية البريئة بغير ذنب.

إن الجنة فيها ظلال وعيون وفواكه ولحم طير مما يشتهيه أصحابها

يتبع...

-2

-3