لم تكن معصية قوم لوط قاصرة فقط على أنهم كانوا يأتون الرجال شهوة، ولكن معصيتهم تعدت تلك الفاحشة بأنهم كانوا لا يأتون أزواجهم (زوجاتهم) فلا تحمل زوجاتهم ولا تلد و تنقطع ذريتهم فلا ينتجون جيلا إنسانيا يخلفهم، فكان مصيرهم إلى الهلاك حتما لأنهم كانوا يقطعون السبيل أي يقطعون إنتاج ذرية وجيل يخلفهم، وكانوا يفعلون فاحشتهم في النادي العام ويشهدون فعل الفاحشة في جمع عام من الناس، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى :
{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81)} [سورة الأعراف 7 : 80-81]
(ما سبقكم بها من أحد من العالمين) أنهم كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، كانوا يمتنعون عن أن يأتوا النساء، أزواجهم ( من دون النساء).
يقول الله:
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا ۖ فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175)} [سورة الشعراء 26 : 160-175]
(أتأتون الذكران من العالمين، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ )
قوم لوط كانوا يتزوجون ولكنهم كانوا يذرون أزواجهم ، قوم لوط كانوا لا يأتون أزواجهم فيقطعون السبيل.
وبذلك الامتناع عن أن يأتوا النساء فقد انقطعت ذريتهم فلا يأتون زوجاتهم فلا حمل ولا ولادة أولاد ليخلفوهم بجيل جديد، قوم لوط قطعوا سبيل إنتاج الذرية من الأزواج، فكتبوا على أنفسهم الهلاك الحتمي الطبيعي، بما فعلوه من أنهم كانوا يقطعون السبيل على ذريتهم.
يقول الله:
{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)} [سورة العنكبوت 29 : 28-30]
(أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ) وتأتون في ناديكم المنكر يعني تأتون الرجال في العلن أمام الناس، وبذلك المنكر وفعل الفاحشة علانية أمام الناس وبشكل منظم في ناديهم يجتمعون ليشهدوا فعل تلك الفاحشة. ما سبقهم بها من أحد من العالمين.
سيدنا لوط عليه السلام إبن أخ سيدنا إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وكان أبينا إبراهيم يسكن في قرية تبعد عن قرية لوط وقومه.
فلما جائت الملائكة رسل الله لتبشر أبينا إبراهيم بأن سوف يرزق بولد، إسحاق ومن ذريته يعقوب، ثم إنهم سوف يذهبون ليعاقبوا قوم لوط وليعذبوهم، فما كان من أبينا إبراهيم ألا أنه يجادل الملائكة ليمنع عن قوم لوط العذاب، كان إبراهيم عليه السلام يجادل رسل الله في قوم لوط ليؤخر عنهم العقاب، لعلهم يهتدوا ويتوبوا.
يقول الله سبحانه وتعالى:
{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) } [سورة هود 11 : 69-76]
(فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط، إن إبراهيم لحليم أواه منيب)
لن يكن إبراهيم أرحم من الله، والله هو أرحم الراحمين، ولن يكن إبراهيم أعلم من الله، والله هو العليم الحكيم، ولكن في ذلك المشهد الذي يقف فيه أبينا إبراهيم أمام الله في حضرة الرسل الملائكة ويتضرع خاشعا منيبا بأن الأمر كله لله ويجادل الملائكة في قوم لوط، بأن يؤخر ويمنع عن قوم لوط العذاب راجيا لهم الهدى، والله سبحانه يقول في مجادلة إبراهيم للملائكة لمنع عقاب قوم لوط، (إن أبراهيم لحليم أواه منيب) حليم لا يبطش بقوة ولكن ينظر بصبر وحكمة، وأواه يدعوا الله خاشعا متضرعا باكيا و منيب يسلم بأن الأمر كله لله من قبل ومن بعد ويعود إليه.
ولكن قد جاء أمر الله علام الغيوب ( يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ).
جريمة قوم لوط الأكبر ظلما كانت بأنهم يعتدون على عابري السبيل والمسافرين من الرجال الذين يأتون إلى قريتهم ويغتصبوهم إغتصاب جماعي في ناديهم وأمام الملأ والناس ، أبينا إبراهيم لم يكن يعلم ذلك وإلا كان دعى الله أن يعجل لهم العذاب.
ولكن بدت رغبات قوم لوط العدوانية في إغتصاب الرجال لمَّا ذهب الملائكة رسل الله في صورة رجال إلى قريتهم، وعلم قوم لوط بمجيء رجال إلى قريتهم فذهبوا ليخطفوهم ويغتصبوهم وتصدى لهم سيدنا لوط عليه السلام ليحمي ضيفه في بيته، ويجاهد في الدفاع عنهم حتى انصرف القوم المعتدين، و علم لوط من الملائكة أنهم رسل ربه و أنهم جاءوا بأمر الله لعقاب هؤلاء العادون.
يقول الله:
{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [سورة هود 11 : 77-83]